المبحث الثاني : الممارسات المقيدة لحرية المنافسة
إذا كانت الممارسات المنافية لقواعد المنافسة من شأنها أن تؤدي إلى إبطال المنافسة إما بصفة مطلقة أو في جزء منها، فإن الممارسات المقيدة قد تؤدي إلى الإضرار بالمسار التنافسي, لكن دون أن تقوم بإبطال المنافسة أو إلغائها، وذلك لأهمية ما تتضمنه من احترام لقواعد الشرعية التجارية .
ونظرا للارتباط الوثيق القائم بين مبدأ شرعية المنافسة، وحماية المستهلك ـ إذ أن التشريعات دائما تحرص على أن يكون مبدأ حرية المنافسة التجارية المشروعة والحرة لمصلحة المستهلك بهدف حصوله على السلع التي يرغب في شرائها أو الحصول على الخدمة بأفضل الأسعار والمواصفات ـ فقد كان لزاما أن تقحم القواعد الخاصة بحماية المستهلك ضمن قواعد قانون المنافسة، وهو ما تحقق فعلا بالنسبة للتشريع المغربي في قانون حرية الأسعار والمنافسة , حيث تناول ما يتعلق بإعلام المستهلكين وحمايتهم في الفصل الأول من الباب السادس إلى جانب الشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين ضمن الفصل الثاني… .
ولتوضيح هذه الممارسات المقيدة للمنافسة فسوف نتبع التقسيم التالي:
المطلب الأول: إعلام المستهلكين وحمايتهم من أساليب التدليس.
المطلب الثاني: الشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين.
المطلب الأول: إعلام المستهلكين وحمايتهم من أساليب التدليس
إن تحقيق الحماية للمستهلكين لن يتأت إلا بفرض مجموعة من الالتزامات على عاتق المهنيين، ومنها ضرورة إعلام المستهلكين بالأسعار وشروط البيع ( فقرة أولى)، وإلزامية تسليم الفاتورة أثناء البيع ( فقرة ثانية), إضافة إلى تنظيم العلاقة بين المستهلكين والمهنيين كتنظيم البيع بالمكافأة مثلا ( فقرة ثالثة ) .
فقرة أولى: الالتزام بإعلام المستهلكين
تنص المادة 47 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي على أنه ” يجب على كل من يبيع منتوجا أو يقدم خدمات أن يعلم المستهلك عن طريق وضع علامة أو ملصق أو إعلان, أو بأي طريقة أخرى مناسبة بالأسعار والشروط الخاصة للبيع أولانجاز الخدمة وتحدد إجراءات إعلام المستهلك بنص تنظيمي ..”.
انطلاقا من نص المادة أعلاه يمكن حصر الالتزامات المفروضة على عاتق المهنيين إزاء المستهلكين بخصوص الإعلام في التزامين اثنين هما؛ الالتزام بالإعلام بالأسعار( أولا), والالتزام بالإعلام بالشروط الخاصة للبيع أو لإنجاز الخدمة ( ثانيا).
أولا: الالتزام بالإعلام بالأسعار
يعد الإعلام بثمن البيع من أهم الالتزامات التي ينبغي على المهني أن يلتزم بها وذلك لاعتبارها شرطا ضروريا لتحقيق الشفافية في السوق، ولأثرها أيضا على السير العادي للمنافسة الحرة .
لأنه بمقتضى الإعلام يتم الحيلولة دون وصول أي مهني إلى فرض أسعار مبالغ فيها بطريقة خفية، مما يؤدي إلى استقطاب غير مشروع للزبناء المستهلكين. حيث توخى المشرع المغربي العمومية في فرض هذا الالتزام على عاتق البائع أو مقدم الخدمات , إلا أنه ترك إمكانية تحديد إجراءات الإعلام بمقتضى نصوص تنظيمية .
وتجب الإشارة إلى أن المشرع قد سبق وأن تولى تنظيم مسألة إشهار الأثمان بمقتضى القانون الصادر في 12 أكتوبـر 1971 ، كـما حـدد المرسـوم التطبيقي ل 23 دجنبر 1971 الطريقة التي يجب ابتاعها في عملية الإشهار. حيث أكد الفصل 18 منه على أنه يتم الإعلان عن الثمن لزوما بالعملة الوطنية، وأن يتوخى الوضوح في عملية الإعلان حتى يتمكن الجمهور من التعرف عليها دون عناء، كما تتم مراعاة الأعراف التجارية ، أما بالنسبة لبيوع الأسواق فقد حدد لها طريقة خاصة في عملية الإعلان عن الثمن وذلك بوضع لائحة عامة تضم أثمان البضائع الظاهرة في قاعات البيع والأسواق .
ثانيا: الإعلام بشروط البيع أو إنجاز الخدمة.
إن المشرع المغربي لم يحدد شروط البيع أو إنجاز الخدمة التي يلزم على المهني الإعلان بها للمستهلك، مما يدل على أن الأمر متروك للنصوص التنظيمية التي تصدر لهذا الغرض، لكن بالرجوع إلى القوانين الأخرى والتشريعات المقارنة. يمكن إجمال هذه الشروط فيما يلي :
1-الإعلام بميعاد التسليم، فخارج الحالات التي يكون فيها التسليم فوريا يلقي على عاتق المهنيين أن يقوموا بإعلام المستهلكين بتاريخ تسليم الشيء المبيع أو تقديم الخدمة محل التعاقد .
2-الالتزام بتوضيح مضمون العقد.
3-الإعلام بخصائص السلع أو الخدمات .
وبناء على ما سبق ذكره فيما يخص إعلام المستهلكين فإنه حسب بعض الفقه من أجل تحقيق منافسة فعالة كان لزاما ألا يتم الاكتفاء بالإعلان الذي يتوخى ذكر وقائع صادقة فقط , بل يجب أن تطال الشرعية كل عملية إعلان ولو كانت مبالغا فيها مادام لم يلحق ضرر ببقية التجار المنافسين وكذا المستهلكين, ودلك نظرا لشيوع أساليب التفضيل والمبالغة عادة بين التجار والباعة , ولأنه لا يعقل أن يقوم تاجر بإبراز إيجابيات منتوجاته ثم يقوم بعد ذلك بإظهار سلبياتها وهو ما يعرف بمبدأ نسبية الحقيقة في الإعلان .
فقرة ثانية: الالتزام بتسليم الفاتورة
لقد ألزم المشرع المغربي البائع أو مقدم الخدمة بضرورة تسليم الفاتورة لكل من المستهلك أو المهني المشتري أو المقبل على الخدمة , وذلك لدورها في الميدان الاقتصادي باعتبارها وسيلة أساسية في إثبات البيوعات وحماية المستهلكين من الزيادة غير الشرعية في الأثمان ، فضلا عما تعكسه من شفافية في العلاقات بين المهنيين .
كما أن المشرع اعتبر تسليم الفاتورة إلزاميا خاصة في بضع القطاعات المحددة قائمتها بنص تنظيمي , لأن ذلك في نظر المشرع يساهم في التضييق من فرص التلاعب في الأسعار ويوفر وسيلة عملية للإثبات باعتبار أن الفاتورة تعتبر ورقة عرفية ، كما أنها تضمن نوعا من الشفافية في التعامل سواء في مواجهة الأطراف المعنيين أو في مواجهة الدولة ومستحقاتها. وقد بين المشرع أيضا البيانات التي يجب توفرها ضمن الفاتورة . وكل الشروط والإجراءات التي يجب احترامها تحت طائلة جزاءات محددة قانونا سوف يتم تناولها من خلال الفرع الثاني من هذا الفصل .
فقرة ثالثة: تنظيم البيع بالمكافآت
يعتبر البيع بالمكافآت صورة من صور التحريض على استهلاك أكبر كمية من المنتوجات أو الخدمات، وهو يندرج ضمن فنون البيع والاتجار التي يفرضها التطور الاقتصادي داخل السوق الاستهلاكية عموما , حيث تتم هذه العملية عن طريق نشر البائع إعلانا مفاده أن كل من اشترى كمية من السلع أو منتوجات معينة يكون من حقه أن يحصل على سلعة أخرى إضافية كجائزة له، لكن هذه العملية تكون لها آثار سلبية سواء على المستهلكين أو على التجار الذين ينتجون منتوجات أو سلع أخرى .
لكن المشرع اعتبر هذه العملية ممنوعة من حيث المبدأ ( أولا) إلا أنه في بعض الحالات أجازها بصفة استثنائية وفق العديد من الشروط ( ثانيا).
أولا : منع البيع بالمكافأة
لقد منع المشرع المغربي البيع بالمكافآت حيث استعمل ضمن الفقرة الأولى من المادة 50 من قانون ح. أ .م.م صيغة عامة تشمل كل أنواع البيع بالمكافأة بقوله ” يمنع القيام بيع منتوجات أو سلع أو عرضها للبيع أو تقديم خدمة أو عرضها على المستهلكين مع تخويل الحق بالمجان على الفور أو لأجل في مكافأة تتكون من منتوجات أو سلع أو خدمات …. ” .
ويمكن إجمال أنواع المكافآت التي يمنع أن تلحق بالبيع أو تقديم الخدمة في بضع الصور كما يلي :
• المكافآت التي تؤدي للمشتري أو لمتلقي الخدمة بعد الشراء كما هو الحال بالنسبة لمحطات توزيع الوقود حيث يعلم المشتري بأنه كلما وصلت كمية البنزين المشتراة مثلا 70 لتر يحق له أن يغسل سيارته مجانا .
• المكافأة التي تؤدى للمشتري أثناء البيع كما يحدث بالنسبة للبيوع بالمنازل, حيث يقول البائع أنه إذا ثم شراء السلعة يحق للمشتري أن يحصل على ثلاث أخرى مجانا.
• البيع المزدوج، كأن يلزم المشتري إذا رغب في شراء سلعة ما أن يشتري معها وجوبا جملة من السلع الأخرى, كبيع شبكة تحتوي على مجموعة من الأشياء ( السكر, البيض، الشاي….).
• تخصيص المكافأة للمستهلكين عن طريق المسابقات: حيث يتم تنظيم مسابقات تتضمن أسئلة في غاية السهولة تؤدي بالمستهلك إلى الإقبال على المشاركة في المسابقة دون عناء مما يجره في الأخير إلى التعاقد.
لكن ما يلاحظ على المادة 50 من ق .ح. أ. م. م حسب بعض الفقه هو أن المشرع المغربي قد اقتصر على منع البيع بالمكافأة ، في حين نجد أن التشريعات المقارنة خصوصا الفرنسي والمصري , أنها تحرم بالإضافة إلى المكافأة الهدايا التي يمنحها المهنيون للمستهلكين والتي تقدم في مناسبات استثنائية وذلك كلما توفرت فيها بعض الشروط منها :
• أن تسلم إلى غير المشتري .
• أن يتم التسليم بدون أي مقابل.
• أن يتم التسليم عن طريق التاجر أو المنتج أو مورد الخدمة.
• أن يتم التسليم في فترة سابقة على التعاقد .
ثانيا : الاستثناءات الواردة على مبدأ منع البيع بالمكافأة
تنص المادة 50 من ق. ح. أ. م.م على جملة من الاستثناءات أو الحالات التي لا يكون فيها البيع ممنوعا ولو كان مرتبطا بالمكافأة ويتعلق الأمر بما يلي :
• الحالة التي تكون فيها المنتوجات أو الخدمات محل المكافأة مماثلة للمنتوجات أو الخدمات محل البيع أو الخدمة .
• إذا كان محل المكافأة أشياء بسيطة أو خدمات ذات قيمة زهيدة, أو عينات يتم تحديد قيمتها بمقتضى نصوص التنظيمية.
• إذا كان محل المكافأة هو المنتوجات أو الخدمات الضرورية لاستعمال المنتوج أو السلعة أو الخدمة محل البيع استعمالا عاديا.
• الخدمات المقدمة بعد البيع وتسهيلات الوقوف التي يوفرها التجار لعملائهم.
• الخدمات المقدمة بالمجان إذا لم يبرم بشأنها عقد مقابل عوض, ولم تكن ذات قيمة تجارية.
المطلب الثاني : الشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين
إن الحفاظ على المسار التنافسي يتطلب تنظيم العلاقات الخاصة بين المهنيين بعضهم ببعض, وهو ما يستدعي من هؤلاء الأطراف الاحتكام إلى قواعد حسن السلوك في العلاقة التجارية التي تجد أساسها في مبدأ حسن النية والأخلاق الحميدة, استجابة لمقتضيات الفصل الثاني من الباب السادس من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي.
ومن الممارسات التي قد تؤدي إلى الإخلال بمبدأ الشفافية بين المهنيين نذكر الممارسات التمييزية ( فقرة أولى ), ثم رفض البيع وتقييده ( فقرة ثانية ) .
فقرة أولى : منع الممارسات التمييزية
إذا كان الأشخاص المعنيون بالممارسات التمييزية هم بالأساس المنتجين أو البائعين أو مقدمي الخدمة ،وبصفة عامة أصحاب العرض، مع استثناء أصحاب الطلب ( المشترين) حسب مقتضيات المادة 54 من ق ج أ م التي تنص على أنه يمنع على كل منتج أو مستورد أو بائع بالجملة أو مقدم الخدمات …” فإن محل هذه الممارسات يهم مجالات أشار المشرع إلى بعضها , كالحصول على أسعار أو تطبيقها على الشركاء الاقتصاديين بصفة تمييزية, أو أجل الدفع, أو شروط البيع أو إجراء البيع أو الشراء … . لكن هذه المجالات تبقى واردة على سبيل المثال لا الحصر, مما يتيح للقضاء سلطة تقديرية لتطبيق جزاء المنع كلما وجد أمامه عمل من شأنه أن يفضل شريكا على آخر ولو لم يرد ضمن النص أعلاه. وتيسيرا لمهمة القاضي في ذلك نجد أن المشرع قد وضع معيارين على الأقل للحكم بعدم شرعية ممارسة ما وهما:
• عدم تبرير الممارسة بمقابل حقيقي .
• وإحداثها إجحافا أو فائدة في المنافسة بالنسبة للشريك .
فمفهوم المقابل الحقيقي يتضمن وضعية مادية قائمة بين عارض السلعة أو الخدمة والشريك المميز، كأن تكون الكمية المشتراة من السلع مثلا مرتفعة مما يبرر تخفيض الثمن أو وجود اتفاق تعاون تجاري بين الطرفين…, ففي مثل هذه الحالة ليس هناك ما يمنع البائع أو مقدم الخدمة من التنازل عن بعض الامتيازات لصالح المشتري وحده دون غيره, مادامت العلاقة التي تربطه به تختلف عن مثيلتها بالنسبة لبقية التجار والشركاء الآخرين.
أما بالنسبة لإحداث الإجحاف أو الفائدة في المنافسة بالنسبة إلى الشريك فهو مفهوم واسع يشمل كذلك كل تأثير على السير العادي للمنافسة داخل السوق، وعلى كل ما من شأنه أن يجعل الشريك في وضع سيئي أيضا بالنسبة إلى غيره.
وفي الأخير فالممارسات التمييزية باعتبارها صورة من صور الإخلال بمبدأ الشفافية في العلاقات بين المهنيين, فإنها لا تصبح ممنوعة إلا إذا أحدثت ضررا بسير المنافسة وهو ما يستفاد من صياغة المادة 54 من ق .ح. أ.م. م .
فقرة ثانية: رفض البيع وتقييده
يعتبر رفض البيع وتقييده من الممارسات الممنوعة على المهنيين سواء في علاقتهم بغيرهم من المهنيين أو في علاقتهم بالمستهلكين، فبالنسبة لرفض البيع فيعتبر صورة من صور الاستغلال التعسفي للوضع المهيمن داخل السوق والذي سبق التطرق له، كما يعتبر من قبيل الممارسات التي تخل بمبدأ الشفافية في العلاقة بين المهنيين. حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 54 من القانون رقم 99 – 06 على أنه ” يمنع على كل منتج أو مستورد أو بائع بالجملة أو مقدم خدماته … أن يمتنع عن تلبية طلبات مشتري المنتوجات أو طلبات تقديم الخدمات لأجل نشاط مهني، إذ لم يكن لهذه الطلبات أي طابع غير عادي, وكانت مقدمة على حسن نية …. “.
وإذا كانت الصياغة التي ورد بها منع رفض البيع تبدو عامة مادام أن الأمر لا يقتصر على رفض طلبات شراء السلع فقط بل يتعدى إلى طلبات الخدمة أيضا, إلا أن التعداد على سبيل الحصر للأشخاص الملزمين بالاستجابة لطلبات الشراء وتقديم الخدمة يحول دون تبني التفسير السابق، مادام أن فئات أخرى تخرج من دائرة هؤلاء كما هو الحال بالنسبة لعقود التوزيع .
إلا أن المشرع حسب المادة أعلاه لم يجعل منع رفض البيع مطلقا بل أشار إلى حالتين استثنائيتين لا يعتبر فيهما الرفض ممنوعا وهما:
• الطلبات غير العادية.
• والطلبات المقدمة بسوء نية.
أما فيما يخص تقييد البيع أو البيع المشروط وعلى خلاف رفض البيع، فإنه يعتبر ممنوعا من حيث المبدأ دون أن ترد عليه أية استثناءات تبرره، فالفقرة الثالثة من المادة 54 من ق. ح. أ .م .م ” منعت على كل منتج أو مستورد أو بائع بالجملة أو مقدم للخدمات أن يوقف بيع منتوج أو تقديم خدمة لأجل نشاط مهني, إما على شراء منتوجات أخرى في آن واحد, وإما على شراء كمية مفروضة ، وإما على تقديم خدمة أخرى ” ، وبالتالي فكل مهني استعمل إحدى هذه الوسائل يمكن أن يعاقب بالجزاءات المتخذة لذلك .
لكن أهمية منع تقييد البيع تظهر من خلال هدفين أساسيين هما :
• حماية الحرية التجارية لدى الشركاء الاقتصاديين الذين يتولون إعادة البيع.
• الحيلولة دون تحايل المنتجين أو المستوردين أو البائعين بالجملة أو مقدمي الخدمات على مبدأ منع رفض البيع، لأن السماح بالبيع المقيد من شأنه أن يدفع كل من لا يرغب في البيع إلى فرض شروط تمييزية قصد عزوف المشترين وطالبي الخدمة .
المبحث الثالث: عمليات التركيز الاقتصادي:
تعتبر عمليات التركيز الاقتصادي من العناصر الأساسية التي تساهم في تنمية وتطوير الاقتصاد الوطني وتمكينه من مواجهة تحديات المنافسة الأجنبية, وذلك عن طريق اللجوء إلى إنشاء التكتلات بين المقاولات في إطار ما يعرف بالتركيز الاقتصادي ، والذي يتم التمييز في إطاره عادة بين نوعين من التركيز :
• التركيز الأفقي: حيث تقوم مؤسسة أو عدة مؤسسات بالهيمنة على قسط كبير من إنتاج مادة معينة.
• و التركيز العمودي: ويتحقق عن طريق إدماج مراحل الإنتاج مادة معينة داخل مؤسسة واحدة.
لكن ومن أجل الحفاظ على جو تنافسي داخل السوق الوطنية، كان لابد من فرض مسألة المراقبة على عمليات التركيز الاقتصادي وذلك لأجل الحيلولة دون تقييد المنافسة، لذلك كان المشرع صائبا عندما تطرق لهذه العمليات ضمن قانون حرية الأسعار والمنافسة.
ومن أجل توضيح عمليات التركيز الاقتصادي سوف نتطرق لطبيعتها (مطلب أول)، ثم لمراقبة هذه العمليات ( مطلب ثاني)
المطلب الأول: طبيعة عمليات التركيز الاقتصادي
تنتج عمليات التركيز الاقتصادي حسب مدلول المادة 11 من ق. ح. أ. م المغربي عن ” كل عقد كيفما كان شكله إذا كان يقضي بتحويل الملكية أو الانتفاع فيما يتعلق بمجموع أو بعض ممتلكات منشآت وحقوقها والتزاماتها، أو عندما يكون الغرض منه أو يترتب عليه تمكين منشأة أو مجموع منشأة من ممارسة نفوذ حاسم على واحدة أو أكثر من المنشآت الأخرى بصفة مباشرة أو غير مباشرة ”
انطلاقا من نص المادة أعلاه نلاحظ أنه يشترط لتحقيق عملية تركيز اقتصادي وجود عقد يربط بين مقاولة أو أكثر , أما ما ينتج من توسع داخل المقاولة الواحدة فلا يندرج ضمن عملية التركيز الاقتصادي مهما بلغ مستوى تطور المقاولة ، وأن تكون مساهمة المقاولات في رأسمال بعضها البعض بشكل مبالغ فيه وذلك من خلال عبارة النفوذ الحاسم التي توحي على ذلك.
كما يتضح أيضا أن مناط وجود عملية تركيز اقتصادي هو توافر عنصرين اثنين على الأقل هما : تحويل الملكية أوالانتفاع بممتلكات المنشأة وحقوقها والتزاماتها من جهة، وتمكين المنشأة أو مجموع المنشأة من ممارسة نفوذ حاسم على بقية المنشأة. وبالتالي فتوافر أحدهما لا يعني وجود الأخرى مما يدل على أن نية المشرع لم تهدف إلى بسط المراقبة على مجرد عملية شراء أسهم مقاولة من طرف مقاولة أخرى, بل كانت تهدف بالأساس إلى ملاحقة العمليات التي من شأنها أن تحدث تغييرات ملموسة على البنية المالية للمقاولة ، مما قد ينتج عنه تقليص حجم القرارات الممكن اتخاذها من طرف كل منشأة بشأن السوق وهو ما قد يكون له في الأخير آثار واضحة على العمليات التنافسية .
المطلب الثاني: مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي
لقد ألزم المشرع المغربي المنشأة بالتبليغ المسبق إلى السلطة العامة ممثلة في شخص الوزير الأول عن كل مشروع يتعلق بالتركيز الاقتصادي وذلك من أجل الحفاظ على المسار التنافسي الطبيعي في السوق الوطنية، وقد تم إسناد مهمة النظر في طلبات التركيز الاقتصادي للوزير الأول، حيث أعطيت له صلاحية الرد داخل أجل شهرين وإلا اعتبر ذلك قبولا ضمنيا للمشروع ,أما إذا أحال الأمر على مجلس المنافسة فيمتد الأجل إلى ستة أشهر.
كما أسندت لمجلس المنافسة مهمة تقدير، عملية التركيز الاقتصادي ومدى مساهمتها في التقدم الاقتصادي مساهمة من شأنها أن تقوم بتعويض الأضرار اللاحقة بالمنافسة . كما يراعي المجلس أيضا في هذا الشأن مدة القدرة التنافسية للمنشأة المعنية بالمقارنة مع المنافسة الدولية ، وهو أمر إيجابي ويتماشى مع الغرض الذي أنشئ من أجله القانون بأكمله، وهو ترويض المقاولات المغربية وتدريبها على تحمل أعباء المنافسة الدولية في إطار ما يعرف بعولمة الاقتصاد والتجارة. أما فيما يخص شروط تطبيق المراقبة فقد حدد المشرع لمراجعة عملية التركيز الاقتصادي أن تكون قد ترتب عنها خلق قواعد اقتصادية يتجاوز نصيبها 40 % من البيوع أو الشراءات أو المعاملات الأخرى في سوق وطنية للسلع أو المنتوجات أو الخدمات من نفس النوع أو القابلة للاستبدال أو في جزء مهم من السوق المذكور .
وفي الأخير لابد من الإشارة إلى أن تأييد عمليات التركيز الاقتصادي هو عمل إيجابي وذلك نظرا لحاجة المقاولات المغربية إلى التكتل خصوصا في الوقت الراهن للسعي نحو التقدم الاقتصادي وضمان السير العادي للمنافسة .
_______________________
- ذ. الجيلالي أمزيد ” الحماية القانونية والقضائية للمنافسة في صفقات الدولة ” مرجع سابق. الصفحات 80-81-82.
- ذ.الجيلالي أمزيد مرجع سابق، الصفحة 80.
- راجع الفقرة الأولى من المادة 12 من قانون حرية الأسعار، والمنافسة المغربي.
- راجع الفقرة الأولى من المادة 12 من قانون حرية الأسعار، والمنافسة المغربي.
- الفقرة الثانية من المادة 42 من ق ح أ م م .
- أبو عبيدة مرجع سابق الصفحة10 .
- المادة 10 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي.
- ذ.الجيلالي أمزيد ، م س ، ص 82.
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-
المطلب الثاني: اختصاصات مجلس المنافسة
كما سبقت الإشارة إلى ذلك فقد نصت المادة 14 من قانون 99/06 على أنه يحدث مجلس المنافسة يكون له طابع استشاري لإبداء الآراء أو تقديم الاستشارات أو التوصيات فهو بهذا المعنى مجرد هيئة استشارية تستشار في المسائل المتعلقة بعمليات التركيز الاقتصادي والممارسات المنافية لقواعد المنافسة وكذا فيما يتعلق بالأسعار.
هذا المجلس والمكون من أعضاء يمثلون الإدارة وآخرون يمثلون القطاعات المهنية ثم تقنوقراطيون يستشار بصفة جوازية ( اختيارية ) من قبل اللجان الدائمة للبرلمان والحكومة ومجالس الهيئات والمجموعات الحضرية وغرف التجارة والصناعة والخدمات وغرف الفلاحة وغرف الصناعة التقليدية وغرف الصيد البحري والمنظمات النقابية والمهنية أو جمعيات المستهلكين المعلن أنها ذات منفعة عامة في كل مسألة مبدئية تتعلق بالمنافسة كما سيستشار من قبل المحاكم المختصة في الممارسات المنافية لقواعد المنافسة المحددة في المادتين 6و7 من القانون والمثارة في القضايا المعروضة عليها، على أن يستشار المجلس المذكور – وجوبا ( استشارة إلزامية ) من طرف الحكومة في كل مشروع قانون أو نص تنظيمي يتعلق بإحداث نظام جديد أو تغيير نظام قائم يهدف إلى فرض قيود كمية على ممارسة مهنة أو الدخول إلى سوق وإما لإقامة احتكارات أو حقوق استثنائية أو خاصة أخرى في التراب المغربي أو جزء مهم مثلا وإما لفرض ممارسات موحدة فيما يتعلق بأسعار أو شروط البيع وإما لمنح إعانات من الدول أو الجماعات المحلية .
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الوزير الأول يضطلع بدور مهم في مجال تطبيق مقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة ، فبالإضافة إلى السلطات التقريرية التي أنيطت به يمكنه إحالة الأفعال التي يظهر له أنها تعيق سير العملية التنافسية على مجلس المنافسة.
وعليه فقد أوجب المشرع على المنشآت أن تبلغ إلى الوزير الأول كل مشروع تركيز ، ويمكنه قبول أو الرفض دون إحالة الأمر على مجلس المنافسة إلا في حالة نص مشروع التركيز بالمنافسة ولاسيما بخلق أو تعزيز وضع مهيمن وأن تكون المنشآت المهنية بالمشروع قد أنجزت أكثر من 40 % من البيوع والشراءات أو المعاملات … وهذا ما تنص عليه المادة 10 من قانون حرية الأسعار والمنافسة.
ويمكن للوزير الأول إحالة الأفعال التي يظهر أنها تكون مخالفات لأحكام المادتين 6و7 إلى مجلس المنافسة طبقا للمادة 24 من ق.ح. أ. م.
وإذا رأى المجلس أن الأفعال كفيلة بتطبيق المادة 67 يوصي الوزير الأول بإحالة الأمر على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة قصد إجراء المتابعة” ويجوز له وفقا للمادة 36 بتوصية من مجلس المنافسة أن يصدر قرار معللا يأمر فيه المعنيين بالأمر بجعل حد للممارسات المنافية لقواعد المنافسة أو يفرض عليهم شروطا معينة .
كما يجوز له كذلك أن يحيل الأمر لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة لأجل إجراء المتابعة وفقا للمادة 70.
وإلى جانب جهازي مجلس المنافسة والوزير الأول كهيئات رئيسية لضمان تطبيق قواعد قانون المنافسة هناك أجهزة أخرى أدوارها محدودة وإن كانت مهمة ومكملة لمهام الأجهزة الرئيسية تخدم هي الأخرى لعبة المنافسة عن طريق المساهمة في تطبيق هذا القانون ويتعلق الأمر بالمقررين والمقرر العام .واللجان الدائمة للبرلمان . مجالس الجهات والمجموعات الحضرية غرف التجارة والصناعة والخدمات وغرف الفلاحة وغرف ذات منفعة عامة ،الحكومة،الإدارة والمؤسسات العامة والجماعات المحلية وكذا الأطراف والشركاء الاقتصاديين والأغيار، والموظفون بالإدارة المشار إليهم في المادة 61 من ق حرية الأسعار والمنافسة.